مذهب المتعة (Hedonism)
إذا قمنا بامتحان دقيق للمجتمعات المعاصرة نرى أنه يخيم عليها مذهب منحرف يدعو إلى المتعة. الإنسان العصري يشجع هذا التيار بقوة ويختبره في حياته الشخصية، وبالطبع كل وسائل الإعلام الحديثة متورطة في خدمته وإطرائه: محطات التلفزيون، المجلات، الكتب، محطات الراديو، السينما، المسرح، الأغاني، الأدب، إلخ… كل الوسائل السمعية-البصرية تغذي نهم الإنسان وتعطشه إلى التمتع باللذة الحسية.
مذهب المتعة موجود منذ القديم وفلسفته معروفة جيداً. بحسب هذه المدرسة من التفكير، اللذة حسنة أما الحزن والألم فلا. مؤسس هذه المدرسة كان أريستيبس القوريني(435-355 ق.م.) . بسبب أصله سميت هذه المدرسة بالقورينية (Cyrenaic). بحسب أريستيبس، الماضي والحاضر ليسا في قبضة الإنسان وبالتالي الشيء الوحيد الذي تحت سيطرته هو اللذة الحاضرة. في الواقع هذا تجريبية غنوصية لأنه يعلّم أن فكر الإنسان لا يستطيع التوصل إلى اختبار القيم الروحية وهكذا هذه القيم لا تستطيع تنظيم الحياة البشرية. يقول أريستيبس أن اللذة بحد ذاتها مُفضلة وجيدة بغض النظر عن الأدوات والمصادر التي ولدتها. في كل الأحوال، على الإنسان أن يتمتع باللذة من دون أن تحكمه. أيضاً يقول: "أنا أملك، أنا لست مملوكاً". اللذة تتقدم على القوانين الأخلاقية وعلى الأخيرة أن تتنحى إذا اعترضت الأولى.
تطور مذهب اللذة إلى نظام مع الأبيقورية التي اختبرته. أخلاقيات أبيقوروس تبدأ باللذة التي هي "بداية ونهاية العيش بسعادة… هي الخير الأول والطبيعي… لأن كل لذة هي حسنة… كما أن كل ألم مرذول". طبعاً لم يعطِ أبيقوروس التقدمية للذات المادية والحسية لأنه وضع اللذة الروحية أولاً. مع أن اللذات الحسية تعطي المتعة إلى إنها مرتبطة بالألم. القيمة الكبرى هي للذات النفس. وفوق كل هذا فنظرية أبيقوروس حول المعرفة تجريبية ومادية.
بالتأكيد لقد وضع الإثنان، أريستيبس وأبيقوروس، مذهب المتعة داخل نظامهما الغنوصي المادي. فنظريتهما فلسفية مرتكزة إلى مبادئ غنوصية. هذا يُلاحظ لدى الفلاسفة اللاحقين الذين شكّل مذهب المتعة جزءً من نظامهم الفلسفي.
الاختلاف مع الحقيقة الراهنة لخبرة مذهب اللذة هو أولاً أن اللذة مفصولة عن الروحيات وهي فقط في مجال الحواس الجسدية. ثانياً ليس هذا المذهب اليوم نتيجة لأي نظرية غنوصية أو نظام فلسفي بل على العكس إنه ثمرة انغماس ذاتي بدون تفكير أو رؤى. إنه حالة ثانوية. فيما مذهب المتعة قضية وجودية، يعتبر الانسان العصري اللذة مجرد تدليل ذاتي وليست جزءً من المشاكل الوجودية. ولكن بالتأكيد، على مستوى أعمق، حتى التمتع المعاصر باللذة يشكّل بحثاً وجودياً، لكن الإنسان لا يحسّ به بهذا الشكل ولا يختبر اللذة على هذا الأساس.
يسيطر على المجتمعات المعاصرة مذهب المتعة والجري وراء اللذة بشكل متطرف وغير فلسفي. هنا نستعمل عبارة "مذهب المتعة" ليس بمعناها الفلسفي الأصيل إنما بمعناها المعاصر الشائع. يوجد اليوم مطاردة للمسرات. لهذا، في المجتمعات المعاصرة، يتلافى الناس الألم والنسك والتجرد بينما يطاردون الملذات بأي ثمن. أيضاً في هذه المجتمعات، تسيطر الحقوق الفردية. أؤمن أن الفرق بين الحياة الأرثوذكسية ونقيضها يكمن في هذه النقطة. الكنيسة الأرثوذكسية تتكلم دائماً عن الصليب والصلب وهذا شيء غير ممكن فهمه للعقلية البشرية.
في ما يلي سوف نقدم تعليم القديس مكسيموس المعترف عن اللذة والألم. سوف يظهر أن الآباء، في كل عملهم اللاهوتي، يتابعون تفكير الفلاسفة القدماء، كما يفعل القديس مكسيموس المعترف، مجيبيبن على أسئلة الفلاسفة على ضوء الوحي الإلهي ومن خلال اختباره.